أقولها،وبالفم الملآن:كلنا نعاني
تلاميذي يشتكون من أثر الإضاءة على عيونهم ،كثير منهم يطالبونني بمساعدتهم على تغيير أماكن جلوسهم كي يتمكنوا من رؤية مايعرض لهم على الشاشة بوضوح،كما يشتكون من شعور بالألم في عيونهم.أحد تلامذتي يعاني من مرض في عينيه، أصبح غير قادر على النظر إلى الشاشة،ورغم المتابعة الطبية لوضعه الصحي لم يفلح العلاج في مساعدته على تخطي صعوبة النظر،والبارحة أتتنا أمه لتخبرنا أن الطبيبة أخبرتهم أن وضع ابنهم أصبح صعبا جدا،ونصحتهم بتغيير المؤسسة،لكون إضاءة المسلاط بالمدرسة الرائدة ستصعب من علاجه.
أسلوب التدريس أصبح مملا ،وأصبحت الوسيلة(المسلاط)،التي عدت ثورة داخل المدرسة العمومية، شيئا مملا وزعجا،كل العمليات تتكرر بنفس الطريقة ،اقرأ بطلاقة ،اسمع وانتبه لشرح الأستاذ لتفهم،أنجز،صحح،وهكذا ....،لقد فقد التلميذ ذاته كإنسان مشارك في بناء التعلمات،ناهيك عن حركاته من تطوير مهاراته الإبداعية والابتكارية،وفسح المجال أمامه لإبداء رأيه ،وتدريبه على النقد واقتراح البدائل.
أضف إلى ذلك هيمنة مادة اللغة العربية على الغلاف الزمني،مما حجَّم من قيمة ودور باقي المواد،خاصة مادة التربية الفنية التي كانت مناسبة للتلميذ لممارسة أفضل هواياته والاستمتاع بوقته الطفولي،بعيدا عن التوجيهات النمطية الصارمة الملزمة باتباع تعليمات محددة.
أما أنا ،الأستاذ ،فقد فقدت ذاتي مع مسلاط يوجهني،ويؤمرني باتباع خطوات لا يمكن تجاوزها،حتى المفاهيم والكلمات محددة ،وعلي أن أسَمِّع مضمونها للتلاميذ دون اجتهاد مني،كل شيء جاهز،أعرض الشرائح بترتيب،دون أدنى تدخل مني، لأن ذلك معد بشكل منطقي،لأترك المسلاط يخبرني بنهاية الحصة.
أصبحت ظاهرة صوتية فقط،حنجرتي هي ما بقي مني كأستاذ،لأني منذ أن ألج القسم وأنا أتكلم بدون توقف، وأحمد الله أن حبالي الصوتية مازالت رنانة وقوية.
ولا يجب علي أن أجلس،اللهم تلك الدقائق التي أخصصها في بداية الحصة لتقييم مستوى الطلاقة في القراءة لدى عينة من التلاميذ،لأنطلق عارضا للشرائح،مراقبا للكراسات،مساعدا على فهم التعليمات،مصححا للتمارين لمدة تستمر مايقارب خمس ساعات،وهكذا كل يوم.
علينا جميعا،أنا وتلامذتي، أن نعمل ،دون توقف ،لامجال للراحة،وكأن الزمن يهرب منا وعلينا اللحاق به،والنتيجة التي كنت ألمسها نهاية كل حصة أصبحت في علم الغيب،لا أدري أين أسير، المهم أن ألتزم بما طلب مني،وعلي انتظار نتيجة الرائز الذي يعده من أعد العرض.
أما تصحيح الكراسات ومراقبتها فأصبح أمرا بالغ الصعوبة، فمتى وأين ،والزمن الذي سيكفيك لتصحيحها ،وكيف ستحملها إلى بيتك..، نظرا لعدد الكراسات الكبير وثقل وزنها ،وتعدد التمارين...، جعل من عملية تقييم عمل التلاميذ أمرا شبه مستحيل.
ناهيك عن الوقت الذي تخصصه كل يوم للعرض القبلي للشرائح من أجل إعداد المذكرة اليومية والخريطة الذهنية للدرس .
إنه التعب اليومي،تعب لا يتوقف،تعب أستاذ أصبح حلمه أن يخلد للراحة ولو لفترة قليلة من الزمن، بعيدا عن ضجيج التلاميذ وضوء المسلاط وتعب الكلام، وإكراه تصحيح الكراسة.
وتعب تلميذ في متابعة الشرائح،وتنفيذ عشرات التعليمات،وتذكر الاستراتيجيات قصد إنجاز أعمال محددة ،لا مجال لتغييرها أو تكييفها أو تقليص عددها.
لا أدعي أن ما خلصت إليه هو الحقيقة،لكنها تجربة صادقة من أستاذ يمارس التعليم عن حب، ومهتم بالفعل التربوي،ويعمل بكل جد على تطوير مهاراته التعليمية.
ملاحظة : لم أشر إلى كوني أدخل دائما إلى القسم قبل التلاميذ،ولا أغادره إلا عند سماع رنات الجرس،ودائما أشتكي من عدم تلاؤم الغلاف الزمني مع الأهداف المحددة لكل حصة دراسية.
ذ كيمية العياشي