أقسام الوصول السريع (مربع البحث)

📁 آخر الأخبار

أزمة التعليم في المغرب: تشخيص الواقع ورهانات الإصلاح




أزمة التعليم في المغرب: تشخيص الواقع ورهانات الإصلاح

يعيش النظام التعليمي المغربي أزمة بنيوية حادة منذ عقود، حيث أخفقت جميع المحاولات الإصلاحية في انتشاله من حالة الجمود التي يعانيها، نتيجة السياسات المرتجلة والمتتالية التي حكمت القطاع. وفي خضم هذا الوضع المأزوم، يظل التلميذ الضحية الرئيسية، إذ لم يعد التعليم في نظره سوى مساحة لتخريج الآلاف من العاطلين، مما يدفعه إلى التشكيك في جدوى المسار التعليمي ومآلاته.

تشخيص الأزمة: بين الإخفاق البنيوي والاختيارات السياسية

يتطلب تحليل الوضع التعليمي في المغرب تقييماً شاملاً لمكوناته الأساسية، بما في ذلك حالة المؤسسات التعليمية، والمناهج الدراسية، والإمكانيات المالية والبشرية، وآليات تدبيرها. فالأزمة التعليمية ليست منفصلة عن السياق السياسي والاقتصادي الذي رسمته الحكومات المتعاقبة منذ الاستقلال، حيث ظل التعليم أداة لتعزيز السلطة عبر التحكم في المعرفة، مما أدى إلى إهمال المنظومة وتفاقم الاختلالات الهيكلية.

وهكذا تحول التعليم من أداة للتنمية إلى آلية لإنتاج الفراغ الاجتماعي، في ظل سياسات عمّقت الشعور بالإحباط لدى التلاميذ، بسبب انفصاله عن سوق العمل واحتياجات التنمية. كما ساهم التباين بين التعليم العمومي والخاص في تفاقم الأزمات، حيث أصبحت المؤسسات التعليمية بيئة خصبة لانتشار الظواهر السلبية كالغش وضعف المستوى، بينما يهيمن على التلاميذ هاجس الهجرة كملاذ وحيد من واقع تعليمي عقيم.

أسباب الأزمة: إشكاليات بنيوية وتربوية

  1. جمود المناهج وتقليدية النظام: تعتمد المناهج على أساليب تقليدية تقتل روح الإبداع والبحث، بينما لا يزال نظام الامتحانات عاجزاً عن قياس القدرات الحقيقية للتلاميذ.
  2. سيطرة النزعة المادية: أدى تغليب الجانب المعرفي التقني على القيم الأخلاقية والحكمة إلى تحويل التربية إلى مجرد نقل للمعلومات، مع إهمال البعد الروحي والاجتماعي.
  3. أزمة الأدوار التربوية: يعاني الأساتذة من قيود تحول دون أدائهم لدورهم التوجيهي، مما يفقدهم صفة القدوة، وينتج عنه خريجون يفتقرون إلى المهارات الحياتية والفكرية.

عوامل تعمق الأزمة: من المنهج إلى البنية التحتية

تتعدد العوائق التي تحول دون تطور التعليم، منها:

  • فرض المقررات الدراسية بشكل صارم دون مراعاة الفروق الفردية.
  • نقص المرافق والتجهيزات الداعمة للعملية التعليمية.
  • إهمال تطوير الكفاءات التربوية للأطر التعليمية.
  • اعتماد أنشطة لا تتلاءم مع أعمار التلاميذ وقدراتهم.
  • هيمنة منطق العقوبات التأديبية على حساب التوجيه التربوي.

كما أن الأهداف التعليمية المعلنة تفتقر إلى التشخيص العلمي للواقع النفسي والاجتماعي للتلاميذ، بينما تعاني المؤسسات من نقص حاد في الوسائل التعليمية. ويظل هاجس الامتحانات مهيمناً، مما يُفرغ العملية التربوية من جوهرها، ويُضعف التفاعل بين المواد الدراسية ومتطلبات العصر.

العلاقة بين الأستاذ والتلميذ: صراع بدل شراكة

تُعد العلاقة بين المعلم والمتعلم حجر الزاوية في أي نظام تعليمي، لكنها في المغرب تحولت إلى حلبة اتهام متبادل:

  • يوجه التلميذ اللوم إلى الأستاذ بسبب عدم تلبيته لحاجياته المعرفية والنفسية.
  • بينما يعزو المدرس تدني المردودية إلى كسل التلاميذ ولجوئهم إلى الغش.
  • كما يُلقى باللوم على المناهج التي تفتقر إلى العمق المعرفي، وتُغلب الشكل التقني على المضمون التربوي.

آفاق الإصلاح: بين الرهانات والتحديات

لا يمكن تجاوز أزمة التعليم دون إصلاحات جذرية تشمل:

  • دمقرطة التعليم وربطه بمسارات التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
  • عصرنة المناهج وتكييفها مع التطور التكنولوجي العالمي.
  • تحسين جودة التعليم عبر التركيز على المضمون بدل الكم، وتلبية حاجات المجتمع.

ومع ذلك، تظل أسئلة جوهرية عالقة:

  • هل يمكن بناء تعليم مغربي أصيل وفعال؟
  • هل المدرسة المغربية فشلت في تحقيق أهدافها؟
  • هل العلاقة بين الأستاذ والتلميذ قائمة على الشراكة الإنسانية؟
  • هل التعليم موجّه للتثقيف أم للتشغيل؟
  • إلى متى سيظل النظام التعليمي ينتج جيشاً من العاطلين؟

في الختام، يبقى إصلاح التعليم رهاناً حيوياً يتطلب إرادة سياسية حقيقية، ورؤية استراتيجية تضع المصلحة العامة فوق الاعتبارات الضيقة، لأن مستقبل المغرب مرهون بقدرته على بناء جيل قادر على مواجهة تحديات القرن الحادي والعشرين.

S. Doukalli
S. Doukalli
تعليقات