أخر الاخبار

التراث Heritage


التراث

نقصد بالتراث رصيد الشعوب من المعرفة والتجارب التي تراكمت عبر العصور في نظرتها إلى نفسها وإلى العالم، ويشتمل على تجاربها التاريخية والدينية والاقتصادية والاجتماعية، والطريقة التي تم فهمها وممارستها عبر التدرج في الرقي الحضاري والتاريخي؛ منذ نشأة الأمة قبل الإسلام وما بعده وصولاً إلى يومنا هذا.
       ونهدف من العودة إلى التراث ليس استعارته كما هو، إنما كي نجعله هوية ديناميكية صوب عشق الطبيعة والحياة، كي يُنظر إليه بوصفه تجربة إنسانية عامة لا تميّز بين بقعة وأخرى، أو بين هذا الشعب أو ذاك. لدينا مهمة وواجب ثقافي وقومي أن نربط التراث بالبيئة من منظور عصري، لأن ربط التراث بالإنتاج العلمي المعاصر يُعيد إلينا ثقتنا بأنفسنا، ويساهم في تشكيل هوية خاصة بنا عبر تحويل التراث إلى تأريخ لتاريخ الاجتماع الإنساني في علائقه مع الطبيعة الحيّة والميتة على السواء، بوصف التراث جزءَاً عضوياً من الواقع المعيش ومكوناته النفسية.
       تدبّر الآية الكريمة، كقوله تعالى: )والأرض مددناها وألقينا فيها رواسى وأنبتنا فيها من كل شيء موزون،....((1)، ألا تشير إلى التوازن الطبيعي الذي قمنا نحن البشر بإحداث الخلل فيه؟
       وقوله: )ولا تـُفسدوا في الأرض بعد إصلاحها((2)، ألم نفسد في هذه الأرض بحق، وهل نحن منتهون؟
       وإذا اعتقدنا أن الله قد خلق الإنسان وصياً على العالمين وأن الكائنات الأخرى قد سُخـّرت لخدمته، ألا يستدعي ذلك أن ندقق في مفهوم الوصاية ونفهمه بمعنى الوصي والمؤتمن على الآخرين، كما هي الوصاية على الأبناء والأحبة تماماً؟ ألا يستدعي ذلك الفهم للوصاية أن نعتني بالكائنات الأخرى ونذود عنها الضرر ونلفها بالرعية والعطف والحنان على نحو ما نفعل بأحبتنا وأبنائنا تماماً؟  

       يزخر تراث العرب والإسلام بأمثلة من دعاوى الحفاظ على البيئة واستدامتها، كالحديث الشريف: "لا تسرفوا في الماء ولو كنتم على نهر جار"، وغيره.
       ولدينا وفرة من الخطب التاريخية التي تدعو إلى عدم قطع الأشجار، كخطبة أبي بكر لجند أسامة بن منقذ:
       « لا تخونوا ولا تغدروا ولا تمثــِّـلوا .... ولا تعقروا نخيلاً ولا تحرقوه، ولا تقطعوا شجرة مثمرة....». ألا يذكرنا هذا بالحديث النبوي أيضاً: "من قطع سدرة في فلاة يستظل بها ابن السبيل والبهائم تعدياً وظلماً بغير حق يكون له فيها، صوب الله، رأسه في النار".
       وعندما يطالعنا الحديث النبوي: "أمط الأذى عن الطريق فإنه لك صدقة"، أليس التلويث والضرر بالطبيعة وبعناصر البيئة المختلفة أذى تنبغي إزالته أيضاً؟
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-