أخر الاخبار

لمحة عن تجربة كوريا الجنوبية التعليمية، التي يرغب المغرب في استلهامها Corea

 

 Tarbawya


أكد وزير التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي سعيد أمزازي، خلال زيارته لكوريا الجنوبية  يوم الأربعاء 23ماي 2018 ببوسان، أن المغرب يرغب في استلهام النموذج الكوري الجنوبي لتحسين فعالية نظامه التربوي الوطني.


من هذا المنطلق، سنتناول في هذه المقالة الحديث عن تجربة كوريا الجنوبية التعليمية، التي يرغب المغرب في استلهامها.

   تحتل كوريا الجنوبية المرتبة الأولى كدولة رائدة في مجال التعليم. فمنذ 60 عاما كان نحو 80% من الكوريين غير متعلمين، أما الآن فهي دولة صناعية رائدة، تنفق ما يقارب 20% من ميزانيتها على التعليم، وإيمانًا منها بشبابها غيرت اسم وزارة التربية إلى "وزارة التربية والموارد البشرية"، فالبشر أهم استثمار في كوريا.

لكن ما الذي يجعل كوريا الجنوبية رائدة في مجال التعليم؟ ما الذي يجعل جامعة مثل جامعة سيول الوطنية من أفضل الجامعات العالمية، بل وامتحانات القبول الخاصة بها تضاهي صعوبة امتحانات قبول كامبريدج وأوكسفورد؟

دعونا نتعرف معًا على السر وراء الإمبراطورية التعليمية في كوريا الجنوبية:


1- المراحل التعليمية


   معظم المدارس في كوريا غير مختلطة. وتقدم كوريا الجنوبية أفضل نظام تعليمي في العالم، فهو أسرع النظم تطورًا، كما أنه إلزامي ومجاني في المرحلتين الابتدائية والمتوسطة أو ما يمثل "المرحلة الإعدادية" لدينا. والمرحلة الثانوية ليست إلزامية وليست مجانية،  ورغم ذلك فإن أكثر من 90% من الطلاب الكوريين يواصلون دراستهم في المدارس الثانوية.


2- اليوم الدراسي


    إذا قلنا إن النظام التعليمي في كوريا الجنوبية الأفضل، هذا لا يمنع أنه الأشد قسوة على الطلاب، فاليوم الدراسي الكوري يستغرق نحو 12 ساعة ورُبما أكثر، فيبدأ اليوم تقريبًا في الثامنة صباحًا، وتظل المدارس مفتوحة لأزيد من 12 ساعة. ففي الساعة الحادية عشرة مساءً تجد الشوارع مكتظة بالطلاب والآباء.


    ينقسم اليوم المدرسي في كوريا إلى: يوم دراسي رئيسي، وصفوف تقوية، اليوم الدراسي الرئيسي يقسم إلى 7 دروس وساعة للغداء، مدة الدرس 50 دقيقة، مع وجود 10 دقائق راحة بين الدروس، بعد تمرير 4 دروس يستفيد الطلاب من فترة راحة لمدة ساعة واحدة للغذاء، تُقدم فيها المدرسة وجبات صحية وشهية ، و بعد ذلك يعودون لاستئناف يومهم الدراسي أو ما تبقى منه أي 3 دروس وينتهي في الخامسة.

بعد ذلك يلتحق الطلاب بصفوف التقوية، أو يجلسون للمذاكرة حتى العاشرة أو الحادية عشرة ليلا، وهذا شيء قاسٍ للغاية. الطلاب في كوريا الجنوبية يمرون بأوقات صعبة للغاية، ودرجات عالية من الإرهاق، لكنهم لا يمانعون في سبيل مستقبلهم، فهم مولعون بالدراسة، و يرغبون بفعل أي شيء  في سبيل النجاح، حيث أن "الرسوب" ليس خيارًا متاحًا أمامهم.


     وفي تجربة فريدة أجرتها قناة BBC عن طريق إحضارها 3 طلاب  من الصف الثانوي من بريطانيا إلى كوريا الجنوبية لاختبار اليوم الدراسي هناك، في اليوم الأول قدموا امتحانًا خاصًا برياضيات المرحلة الثانوية البريطانية، لطلاب المرحلة الثانوية في كوريا الجنوبية.

مدة الاختبار "ساعة"، أكثر من نصف الطلاب أنهوا الاختبار في 15 دقيقة، بينما انتهى الباقون في منتصف الوقت، وعندما سألوهم عن الاختبار قالوا إنه خاص بالمرحلة الابتدائية! الطلاب البريطانيون لم يستطيعوا تحمل اليوم الدراسي الكوري الطويل، والدروس الكثيرة التي تضع الطلاب تحت ضغط هائل في سبيل حصولهم على الدرجات النهائية وهذا شيء اعتبروه قاسٍ للغاية.

 

3- المدرسون في كوريا الجنوبية


     المدرسون في كوريا الجنوبية يستطيعون أن يصبحوا مليونيرات في فترة قصيرة مثل السيد "تشا (الصورة أعلاه)"، فهو مدرس أصبح مليونيرًا عن طريق تدريسه للرياضيات، فإذا رأيته في الشارع ستظن أنه من المشاهير، لكنه مجرد معلم. السيد تشا لا يعمل في المدارس، لقد ربح ثروته عن طريق التعليم عن بعد (أونلاين)، فلديه مدرسة إلكترونية للتعليم السريع أو ما يسمونه Hagwon.


    التعليم الإلكتروني من أهم طرق الربح في كوريا الجنوبية، فلدى السيد تشا العديد من الدعائم التي تميزه وتجعله من أشهر مدرسي الرياضيات مثل: ارتدائه لأزياء متعددة أو وضع شعر مستعار أثناء تصوير دروسه، وكل تلك الأشياء خاضعة لمزاجه الخاص، فالترفيه جزء أساسي من طريقته في التعليم.


    هذه التجارة جادة للغاية، فلدى السيد تشا 3  مليون تسجيل على موقعه الإلكتروني، يدفعون له اشتراكا شهريا مقابل مشاهدة فيديوهاته، لقد بنى إمبراطورية فقط في 6 سنوات.


4-  اختبار دخول الجامعات


     تستثمر الحكومة الكورية في شبابها، كما أن الآباء يستثمرون في أبنائهم، يدفعون أموالًا طائلة لدخولهم مدارس جيدة، وحصولهم على تعليم جيد، كذلك يلحقونهم بفصول للتقوية استعدادًا لاختبارات قبول الجامعات، والتي تعتبر من أصعب الاختبارات في العالم.

اختبار دخول الجامعات من النقاط التحولية في حياة كل طالب كوري، الجميع يرغبون في الذهاب إلى جامعة "سيول" الوطنية، لأنها الأفضل بالتأكيد، ويشعرون أن هذه الاختبارات نقطة تحول في حياتهم، ودليل على جدية ومدى تعلمهم في المراحل السابقة، لكن لا يصل إليها إلا عدد قليل مما يسبب الكثير من الإحباط للطلاب. جامعة سيول الوطنية تشبه إلى حد كبير جامعة كامبريدج أو أوكسفورد، فامتحاناتها لا تقل صعوبة عنهما.

     البعض يذاكرون لمدة تصل إلى 16 ساعة متواصلة طوال 3 سنوات كي يلجوا  أفضل الجامعات الخاصة بإعداد المعلمين. فالعديد من الطلاب في كوريا الجنوبية يرغبون في العمل كمدرسين، وعلى وجه التحديد تدريس الرياضيات، وذلك لأن التدريس بكوريا الجنوبية يعتبر وظيفة مستقرة، تمكن من الاستفادة من عطلة سنوية لمدة شهرين، إضافة إلى الاحترام الذي يكنه الشعب الكوري للمعلمين في العموم.

أن تصبح معلمًا في كوريا الجنوبية هو حُلم لمعظم طلاب المرحلة الثانوية هناك.


5- الجانب المظلم من الحياة المدرسية الكورية


جميع الطلاب يرغبون في دخول الجامعة، لذلك المنافسة ليست سهلة على الإطلاق، كما أن امتحان قبول الجامعات يكون مرة واحدة فقط في السنة، مما يسبب ضغطًا رهيبًا للطلاب، بل ورُبما يدفع العديد منهم للانتحار، فلدى كوريا أعلى معدل انتحار لفئة 10 سنوات إلى 30 سنة، والطلاب على وجه الخصوص.

يطالب البعض بإحداث تغييرات كبيرة في نظام التعليم الكوري، لأن الطلاب ليس لديهم أي وقت حر للقراءة، أو الموسيقى، أو التنزه، أو التواصل، أو ممارسة الرياضة، أو أي أنشطة أخرى، فكل وقتهم ملكًا للمدرسة والمذاكرة، مما يجعل نسبة كبيرة منهم تمر بمرحلة من الاكتئاب، فمعظم الطلاب الكوريين يصفون مرحلة الثانوية بكونها مرحلة "تعيسة" من حياتهم. والحكومة الكورية كذلك تبذل جهدها من أجل إحداث تغييرات حقيقية في النظام التعليمي مع الحفاظ على مستواه العالمي.

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-