الكنبوري تعليقا على بلاغ وزارة أمزازي: البلاغات الرسمية تكتب بأسلوب واضح، وتزيل الغبش وتضع النقاط على الحروف، لكن بلاغ الوزارة يضع الحروف فوق النقاط
عبد الله المصمودي
تعليقا على البلاغ الثاني لوزارة التربية الوطنية والتكوين المهني، ذكر إدريس الكنبوري في منشور له على فيسبوك أن “البلاغات الرسمية تكتب بأسلوب واضح، وتزيل الغبش وتضع النقاط على الحروف، لكن بلاغ الوزارة يضع الحروف فوق النقاط”.
وكتب الباحث في الفكر الإسلامي وقضايا التطرف “قرأت، ككل الناس الذين يدبون على هذه الأرض، البلاغ التوضيحي الذي أصدرته وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي ردا على الضجة التي خلفها مقرر دراسي يتضمن عبارات بالعامية المغربية. وأتمنى أن يكون البلاغ غير صحيح، وإلا فإن أزمة التعلم التي نشكو منها وصلت إلى هذه الوزارة أيضا، وبالتالي لا حاجة للشكوى طالما أن الأزمة واحدة من الأسفل إلى الأعلى.
في الأعراف أن البلاغات الرسمية تكتب بأسلوب واضح، لأن معنى البلاغ هو الإبلاغ، فهي تزيل الغبش وتضع النقاط على الحروف، لكن بلاغ الوزارة يضع الحروف فوق النقاط. وأنا شخصيا لم أفهم هل البلاغ المنسوب إلى الوزارة شعر أم نص إنشائي أم خواطر.
البلاغ يحاول أن يفسر للمواطنين لماذا تم استعمال الدارجة. وهو يقول إن “المدرسة يجب أن تصبح حاملة للثقافة وناقلة لها في الوقت نفسه، وأن تضطلع بدورها في النقل الثقافي” وهذه جملة طويلة إنشائية لا معنى تحتها على الإطلاق، لأن البلاغ بلاغ توضيحي وليس خطبة. ثم أي علاقة بين كون المدرسة حاملة للثقافة وناقلة والنقل الثقافي وبين استعمال الدارجة؟. ويضيف البلاغ أنه يجب”إعطاء الأولوية للدور الوظيفي للغات المعتمدة في المدرسة في ترسيخ الهوية؛ والانفتاح الكوني؛ واكتساب المعارف والكفايات والثقافة؛ والارتقاء بالبحث؛ وتحقيق الاندماج الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والقيمي”، وهذه كلها عبارات عامة وفضفاضة لا معنى لها على الإطلاق، لأن واقع التعليم في المغرب يكذب كل عبارة منها، أما عبارة”الارتقاء بالبحث” فلا لزوم لها أصلا، لأن الذين صاغوا البيان يعرفون الحقيقة.
وبجرة قلم تبرر الوزارة إدخال الدارجة بأن “مختصين في المجال العلمي والديداكتيكي” لم يروا أي مشكلة في الموضوع. والمشكلة ليست في وجود مختصين، بل المشكلة الكبرى في وجود من لديهم رؤية. وماذا عن مختصين آخرين يرون أن الموضوع كارثة؟.
استعمال الدارجة في التعليم ليس قضية بيداغوجية على الإطلاق، في حالتنا. إنه قضية سياسية لديها علاقة بالمركز والأطراف. لنفترض أننا نضع مقررات حقيقية لخلق مواطن فاعل ونريد تضمين القيم الكبرى الحيوية لبناء مشروع وطني، واعتمدنا الدارجة، هل سيسمح لنا بذلك؟ طبعا لا. هل نستطيع أن نضع مشروعا وطنيا حقيقيا لتدريس العلوم التقنية باستعمال الدارجة العامية، وبموازاتها مختبرات حقيقية، والرفع من الميزانية المخصصة للبحث العلمي ووضع برنامج عشري أو عشريني للإنتاج؟ طبعا لا.فالقضية إذن ليست قضية دارجة بل قضية مشروع. ليست قضية بماذا تُعلم، بل ماذا تعلم.
سؤالان كان يجب على المختصين والخبراء الذين يتحدث عنهم البلاغ أن يطرحوهما: ما هي وظيفة اللغة في التعليم؟ وهل وظيفة التعليم أن يرتفع بالمتعلم أم أن ينزل به؟.
بالنسبة للسؤال الأول: وظيفة اللغة في التعليم إنجاز مشروع التوحيد اللساني للبلد unifier linguistiquement le pays، لأن استعمال الدارجة مشروع للتفكيك الوطني لا للتوحيد. ذلك أن الدارجة دارجات، ليس فقط على مستوى كل منطقة، بل حتى لا على مستوى كل فئة اجتماعية. دارجة الشباب ليست دارجة الكبار، وهناك دارجات نصفها مغربي ونصفها فرنسي كما في الأوساط العليا. وبعد المشكلة التي واجهها المغرب مع اللهجات الأمازيغية والريفية والسوسية نأتي إلى الدارجات المختلفة لنراعي الخصوصيات، وبالتالي ننتهي إلى خلق جلباب مرقع ولا نبني وطنا. وعندما يقول لنا بلاغ السيدة الوزارة إن وظيفة اللغات في المدرسة ترسيخ الهوية يرتكب خطأ لغويا، إذ كان عليه أن يتحدث عن هويات لا هوية واحدة. وهنا نأتي إلى البلاغ الذي يتحدث عن “تحقيق الاندماج الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والقيمي”، لنتأكد من أن العبارات مكتوبة كما اتفق. فأي اندماج وطني في ظل تفكيك لساني؟.
وعن السؤال الثاني: استعمال الدارجة لا يضيف للمخزون المعرفي للتلميذ شيئا، إنه يلقنه أشياء يعرفها سلفا. المدرسة في هذه الحالة تصبح امتدادا للشارع لا مؤسسة للتكوين، وهي لا ترتفع عن الشارع بل تنزل إليه.
جميع الأمم التي حققت تقدما اليوم تعتمد لغتها العالمة في التعليم، لا اللغة العامية. حتى في دولة قوية كفرنسا، أمنا فرنسا، لا يشكو أحد من تدريس اللاتينية، رغم أنها لغة مهجورة، لأنها أمة تحترم تاريخها، بينما العربية نعيشها كل يوم ثم يظهر من بيننا من يقول إنها عقبة أمام التعليم.
لا داعي للتفلسف، الدارجة مشروع سياسي قديم يتنزل تدريجيا. هل تتذكرون قصة القرآن بالدارجة؟.
التعليم سلاح استراتيجي خطير، أخطر من الاقتصاد، لأن الاقتصاد مهما كان قويا قد يسقط إذا سيطر عليه الأغبياء. مع ذلك توجه المؤسسات المالية الدولية توصيات وقرارات ملزمة إلى الدول المتخلفة لاتباعها حتى تبقى تحت أقدام الكبار. هل يعقل أن لا تكون هناك توصيات في التعليم؟ مستحيل”.