أهداف تدريس اللغة العربية في المرحلة الثانوية (3)
نشر في جريدة البيان عام 1983
غني عن الذكر أن وصول التلميذ إلي المرحلة الثانوية يعني تلقائياً أنه أتقني مهارات القراءة والكتابة اتقاناً يسمح له بالاستغناء عن المدرس في كثير من الحالات؛ لكن الملاحظ – على العموم – أن عدداً كبيراً من الطلبة في الإمارات ما زالوا – رغم وصولهم إلي هذه المرحلة – يعانون من ضعف خطير في أساسيات اللغة ومهاراتها.
أين الخلل ؟
هذا الخلل يكشف عن حلل آخر في عملية انتقال التلميذ من مرحلة إلي مرحلة دون أن يلم بأهداف واحتياجات المرحلة السابقة ، وغالباً ما تكون المرحلة الجديدة مبنية هرمياً على أساسيات يفترض توفرها من قبل ، ولا تسمح المناهج وفق برامجها المحددة لكل مرحلة بعودة إلي هذه الأساسيات لتقويتها أو معالجة ما ضعف فيها ... ومن هنا يجد المدرس نفسه – في هذه المرحلة – عاجزاً عن معالجة ضعف التلاميذ بالقراءة أو الكتابة ، لأن المنهج الجديد لا يتيح الوقت الكافي لمثل هذه المراجعة لأهداف خاصة سابقة ، وإذا ما حاول المدرس أن يمزج بين الأهداف الخاصة لمرحلتين سيجد أنه عجز عن تحقيق أي من الهدفين ، فمناهج كل مرحلة مكتنزة سيجد أنه عجز عن تحقيق أي من الهدفين، فمناهج كل مرحلة مكتنزة بما هو جديد ، ومحددة بالدقيقة والساعة والصفحة ، ضمن خطة توزع علي المدرسين ، وتلزمهم التقيد بها بل وتحاسبهم علي ما أنجز منها.
وبطبيعة الحال فإن أهداف تدريس اللغة العربية في المرحلة الثانوية ليست منقطعة تماماً عن سابقتها في المرحلة الإعدادية ، وإنما هي الامتداد المتمثل بمحورين أساسيين هما التجديد ... والتكميل.
التجديد والتكميل
أما التجديد فيقصد به تعميق الأهداف الخاصة والعامة السابقة بطروحات أكثر تفصيلاً وأدعي للاعتناق والاقتناع ؛ وذلك بزيادة عدد الأمثلة أو المرات أو الشواهد أو الممارسات... ويكون التكميل في صورة إضافة أو زيادة لم تكن واردة في المرحلة السابقة وإن كانت لها أسسها وقواعدها.
في ضوء هذا الفهم يمكن القول : إن الأهداف العامة والخاصة لتدريس اللغة العربية في هذه المرحلة هي ذاتها المحاور الأربعة الأساسية التي ذكرناها في المقالة السابقة ، مع ما يطرأ عليها من تجديد وتكميل وإضافة تراعي مستويات النمو وخصائصه والمتغيرات التي – تطرأ علي التلاميذ في هذا السن.
فالتلميذ في هذه المرحلة يصبح أكثر تحسساً لهويته العربية وأكثر تعلقاً بقوميته وهذا يتكرس أكثر باختيارات نوعية للنصوص الأدبية ؛ تعطي الموضوع القومي اهتماماً خاصاً ، فضلاً عن أن اللغة بحد ذاتها تكون بالنسبة للتلميذ أحد أهم عناصر القومية وأبرز مقوماتها.
القراءة العربية
ففي مجال القراءة العربية ، يجب أن تتميز الموضوعات المختارة بالتنوع، على الصعيدين الشكلي – الفني – والمضموني ، فمن ناحية الشكل يفضّل تعريف التلميذ بنماذج مختلفة من الأجناس الأدبية والأساليب ، حيث تكون النماذج فى كتاب القراءة بمثابة تطبيق حى لما يدرسه التلميذ نظرياً فى كتاب النقد والبلاغة ، وتشمل هذه الأجناس فنون المقالة بأنواعها ( الأدبية والعلمية والصحفية ) ، والقصة القصيرة بأنواعها ( القصة والأقصوصة والقصيصة والإسكتش القصصى ) والراوية الطويلة والمسرحية بنوعيها الشعرى والنثرى والخاطرة والخطبة بأنواعها ( الأخوانية والعلمية ) كما يجب أن يتضمن الكتاب مختارات مشرقة من النصوص الشعرية التى تمثّل مختلف المدارس والعصور ــ وليس العصر الحديث كما هو الحال الآن ــ إلى جانب مختارات قرآنية وأخرى من الحديث النبوى الشريف وثالثة من أجناس النثر القديم مثل المقامة والمثل الشعبى والتوقيعات وغيرها.
المضامين
أمّا على صعيد المضمون فيشترط أن تتمحور المواضع حول ثلاث دوائر هى البيئة والمجتمع والكون ، ضمن معالجتين ، قومية وإسلامية ، بحيث تخدم النصوص المختارة هذين التوجهين ونعنى عن الذكر إنّ ما يتم إختياره من نصوص لتكريس وتعزيز هذين التوجهين فى المرحلة الإعدادية يختلف عن مستوى النصوص التى يتم إختيارها فى هذه المرحلة بما يتناسب والنمو العقلى والتعليمى والجسمى للتلميذ ، وهذا يجعلنا نتحفظ على بعض ما نراه فى المناهج الحالية ، ومن ذلك مثلاً أن تدرج قصيدة واحدة فى كتابين متباعدين زمنياً ، بحيث يقرأ التلاميذ القصيدة فى الأول الإعدادى ثم يجدونها دونما إضافة تذكر فى كتب الثالث الثانوى.
ويرتبط بهذه القضية الإختيار الموفق للشاعر أو القاص أو الأديب الذى يدرّس للتلاميذ ، من خلال إنتاجه الأدبى أو من خلال سيرته الشخصية ، ونظن أنّه من غير المعقول أن تقدم أسماء مجهولة للتلاميذ ؛ حتى لو كانت ( الدراسة النصيّة ) هى المحبّذة فى هذه المرحلة ؛ إلاّ إذا كانت هناك مسوّغات قوية لمثل هذا التوجّه فالأسم الأدبى المعروف ، والمؤثر فى حياتنا الفكرية أو تاريخنا الأدبى، هو واحد من النماذج التى نسعى فى مناهجنا ــ أو هذا المفروض ــ إلى تلمس خطاه ، فى مجال الإبداع.
وعلى الإجمال فإنّ الموضوعات المختارة لكتاب القراءة يجب أن تصب كلها فى خدمة الهدفين ، الخاص والعام ، ولا بأس من أختيارات خارجية لأدباء وفلاسفة غربيين كانت لهم مواقف مشهودة تجاهنا ، ولا مانع من التوقف عند المفرضين منهم شريطة أن لا يتم ذلك بعصبية تفسد الهدف من إيراد النص بل وتكون نتيجتها عكسية ومثل هذه الموضوعات تنمّى روح النقد والحوار والتمحيص لدى الطلاب وتدربهم على الرد الهادىء المعتمد على الحوار العقلى والحقائق التاريخية والعلمية.
الأدب والنصوص
يمكن القول : إنّ الهدف ــ العام والخاص ــ من كتاب الأدب والنصوص لا يخرج فى مجمله عن الهدف من كتاب القراءة ؛ لكن كتب الأدب والنصوص تنهج فى الغالب نهجاً تاريخياً ، حيث يتم تعريف الطلاب فى المرحلة الثانوية بمراحل تاريخية مختلفة مرّ بها الأدب العربى فطلبة الصف الأوّل الثانوى يدرسون العصر الجاهلى ، والإسلامى وبعض نتاج العصر الأموى ويستكمل التلميذ هذه المراحل فى الصف الثانى الثانوى ، فيقرأ العصرين الأموى والعباسى ثم تاريخ الأدب الأندلسى والعصرين المملوكى والتركى ويقتصر كتاب الصف الثالث الثانوى على الأدب فى العصر الحديث.
إنّ كتاب الأدب والنصوص هو الشقيق المرادف لكتاب التاريخ ، وبهما تكتمل الصورة ، ويتحقق الهدف العام المشترك وفى المرحلة النهائية يجب أن يتم إختيار النصوص الأدبية التى تصوّر حالة الأدب العربى فى العصرين المملوكى والتركى ، ويجب تشخيص الحالات المرضية فى الأساليب والموضوعات وربطها موضوعياً بالمرحلة التاريخية والتوجهات السياسية والظروف القاهرة التى مرّت آنذاك على المنطقة ، بما فى ذلك تفسير سبب ضعف وتردى اللغة العربية فى العهدين المذكورين ومن ثم تردّى الإنتاج الأدبى ، ويعقب ذلك إستباط عوامل النهضة فى الأدب والمجتمع بشكل عام وظهور الإتجاه القومى فى الأدب جنباً إلى جنب مع بروز الفكرة القومية فى العهد العثمانى وتبلورها بين الحربين العالميتين ، من واقع إنّها ظاهرة تاريخية ومحصّلة طبيعية لعوامل حضارية متعددة إدخلت الإنسان العربى فى تجربة روحية وعملية نفسية معقدة فأخذ يشد هذا الإنسان إلى الأحساس بالواقع المؤلم ليستوعبه بفكره ووجدانه ثم يفصمه عنه فصماً روحياً لرفضه وتغيره.
وإستكمالاً لهذا يجب أن يتضمن الكتاب أبرز العوامل التى هيأت لهذا الوعى مثل الأتصال بالثقافة الغربية عن طريق البعثات ، ودخول المطبعة ، ونشاط الجمعيات الأدبية والسياسية ؛ التى كانت تتداول فيما بينها ــ بشكل أساسى ــ أحوال الواقع السياسى للشعب العربى الرازح تحت الحكم العثمانى مع ضرورة الأشارة إلى أهمها مثل : الجمعية العلمية السورية والمنتدى الأدبى والجمعية القحطانية والجمعية العربية الفتاة وغيرها.
إنّ منهاج اللغة العربية فى المرحلة النهائية من الدراسة الثانوية يجب أن يقدم شواهد مشاركة الأدب العربى فى معركة التحرر القومى والإجتماعى ، فضلاً عن المد الإسلامى المواكب الذى يجب أن لا يتعارض طرحه مع المفهوم القومى وأن لا يطرح كبديل كما هو الحال فى كتاب الأدب والنصوص المعدل محليا .