ضعف مستوى التحصيل الدراسى
مقترحات لتطوير العمل التربوى فى الإمارات
رصد خبرات وتجارب المدرسين والإنتفاع بها
الإكثار من حصص الترويح والحرص على سرية
الجزاءات التى يتم إيقاعها على المدرسين
بقلم : أسامة فوزى
لا يمكن لأى جهاز تربوى وتعليمى أن يحيط بكل نظريات التعليم وأن يوظيفها فى خدمة نظامه التربوى لأن هذه النظريات متعددة ومتشبعة ومعقدة وأكثرها ينبع من تجارب خاصة لبيئات متابينة فى أنظمتهاالأقتصادية والتربوية والسياسية والأجتماعية.
لكن علماء التربية أتفقوا على خطوط عريضة يمكن أن تكون منطلقات أساسية فى الكيان التربوى لأى مجتمع ، وأستمدوا هذه الخطوط من البناء النفسى والعضوى للأنسان ومن دراسة مراحل النمو عنده وما تتميز به كل مرحلة وغير ذلك من تركيبات نفسية يشترك فيها الجميع ، بغض النظر عن الجنس أو اللون أو الدين أو النظام السياسى والإقتصادى.
خصوصية النظام التربوى
وتأتى عملية إستنباط النظام التربوى من البيئة فى المرتبة الثانية ، وهذا الإستنباط هو الذى يفرز هذا التباين الذى نراه فى أنظمة التعليم والتربية ، وهو الذى يمنح النظام التربوى خصوصيته ، وغنى عن الذكر أن النظام التربوى فى أوروبا الشرقية يختلف عنه أوروبا الغربية بما يتسق والنسق الفلسفى العام للمجتمع والدولة ، لكن أساسيات عملية التعلم ، المرتبطة بعملية النمو ، واحدة فى أقطار المعسكرين.
من هنا فأن حل المشكلات التربوية لمجتمع الإمارات ينبع ــ أولا وقبل كل شىء ــ من خصوصية مجتمع الإمارات ، وخصوصية التعليم فيه فى أطار جذوره القومية والإسلامية ومن واقع خبراته الخاصة ، التى يجب أن ترصد ، وأن توظف لتطوير العمل التربوى فى الدولة ، وهذا يتطلب جهازاً قادراً على القيام بعملية الرصد والإستطلاع الميدانى لتحديد المشكلات التى تواجه العمل التربوى والتى تكون خاصة بمجتمع الإمارات دون غيره.
خبرات المدرسين
ومن خلال تجربة خاصة مع العمل التربوى فى الإمارات أرى أن النهوض بالتعليم يحتاج إلى أهتمام أكبر بعدد من المجالات والمهارات فى الميدان ، فآراء المدرسين ــ على سبيل المثال ــ مادة لو رصدت وأخضعت للدراسة العلمية لأمكن مد العمل التربوى بخبرات ميدانية هائلة تفيد المناهج والكتب المدرسية كما تفيد التوجيه الفنى الإدارى ومجالس الآباء والمعلمين ونظام الأمتحانات ولائحة التقويم.
والأمر يحتاج ــ بطبيعة الحال ــ إلى تنظيم عملية رصد هذه الخبرات ميدانياً ، ثم تمريرها إلى الأجهزة المختصة لدراستها ثم إعادة ضخ الخبرات إلى الميدان مرة ثانية وتعميمها.
وغنى عن الذكر أن تجارب المدرسين فى الإمارات تختلف قطعاً عن تجارب غيرهم فى الأقطار العربية المجاورة بسبب أختلاف البيئة الأجتماعية والسياسية ، ومن ثم ستكون الخبرات الراجعة إلى الميدان منسجمة تماماً مع الوسط التعليمى فى الإمارات وأحتياجاتها لأنها وليدة خبراته.
القيادة الجماعية
أن تطوير العمل التربوى لا يتركز فقط فى أساسيات التعلم من توجيه وكتب مدرسية وأنظمة تقويم. وإنما يشمل الكثير من الجوانب والمجالات التى تبدو للعديدين ثانوية ومن ثم يتم التعامل معها فى ضوء هذا الحكم.
فالقيادة الجماعية فيما يمكن أن نسميه بمجلس المدرسة تكاد تكود غائبة رغم أهمية المردود التربوى والمسلكى المتوقع من قيادة تضم إداريين ومدرسين فى آن معاً ، ولو أفترضنا أن مثل هذه القيادة لا يعمل بها مدارس أوروبا وأميركا ، فإن عدم الأخذ بها فى مدارسنا فى ظل الظروف البيئية والمجتمعية الراهنة يمكن أن يكون قصوراً لافتاً للنظر بل ومسؤولا عن بعض المشكلات التربوية الطارئة فى الإمارات والتى تبدو للكثيرين غريبة عنا وأخلاقنا مثل تكرار ظاهرة الأعتداء على المدرسين.
حصص الترويح
وحصص الترويح ــ على سبيل المثال ــ مطلوبة فى ظل ظروفنا الأجتماعية والبيئية ــ بخاصة فى مدارس البنات ــ ومن ثم يتطلب الأمر تعاملاً مرناً مع الجدول المدرسى ، يستمد مرونته من المناهج نفسها ، لأن المدرسة فى الإمارات وبالنسبة للطالبات على وجه التحديد تكاد تكون الميدان الوحيد لممارسة النشاط الفكرى والرياضى والفنى بسبب البيئة الأجتماعية المحيطة ، وأظن أن أية عملية رصد لآراء المدرسين فى هذا الباب ستجد تأييداً لمثل هذا التوجه ، بل وستجد مطالبة بزيادة وقت الراحة بين الحصص ، بخاصة فى فترة الصيف ، على حساب إختصار زمن الحصة لأن إستيعاب التلاميذ يقل تدريجياً بعد ربع ساعة من بدء الحصة وتستنفذ طاقاته الفكرية والجسدية تماماً مع نهايتها فكيف سيبدأ بعد خمس دقائق ــ هى مدة الفسحة الحالية بين الحصص ــ بالإرتقاء الذهنى الفكرى والجسدى لمواكبة وإستيعاب موضوع جديد !!
ظروف المدرسات
وبسبب الظروف الخاصة للمدرسات العاملات فى الإمارات ، وبسبب قلقهن اليومى على أطفالهن فى البيوت ــ مع الشغالات ــ أو فى الحضانات الخاصة وأكثرها لا يمكن الوثوق به فإن أى أستطلاع لرأيهن سيحبذ بالتأكيد فكرة إنشاء حضانات لأطفالهن فى المدارس التى يعملن فيها ، وهى فكرة ممكنة الإنجاز ولا تتطلب زيادة فى الإنفاق وسيكون مردودها عظيماً على المستويين التربوى والإنسانى ، فضلاً عن أن مثل هذه الحضانات الداخلية ، ستكون قادرة على تأمين مصادر دخلها من الإشتراكات والأجور والمعونات التى قد تساهم بها مجالس الآباء.
حتى زيادة عدد العمال والعاملات فى المدارس ــ الفراشين ــ سيكون له مردوده التربوى أيضاً لأنه يساعد فى تسهيل الأعمال وتجهيز الأمكنة وقاعات الدرس والمحافظة على بقاء الحرم المدرسى نظيفاً وإنجاز بعض الأعمال اليدوية التى تستفيد جهد المدرس والطالب فيما اضطر إلى القيام بها.
ويتبع ذلك ــ مثلاً ــ توفير الإداريين فى المدارس بأعداد تسمح لهم بإنجاز عمليات الجمع والطرح ورصد العلامات وإعداد الشهادات والجداول وهى أعمال توكل الآن للمدرسين وتستنفذ طاقاتهم على حساب العمل الفنى وعلى حساب علاقتهم مع تلاميذهم اذ يفترض أن يقضى المدرسون جزءاً من اليوم المدرسى بين الطلاب فى الردهات والملاعب لتنمية العلاقات الإنسانية وكسر الحاجز النفسى للخروج من المدرسة المعسكر!!.
ظاهرة ضرب المدرسين !!
ونشير أخيراً إلى مطلب مهم وعاجل يرتبط بظاهرة الأعتداء على المدرسين وهو ضرورة وضع لائحة تربوية لجزاءات المدرسين لا تخرج مشاعرهم ولا تهز صورهم أمام تلاميذهم ويجب الحرص على أن تتم عملية توقيع الجزاء على المدرس المقصر أو المخطىء بشكل داخلى وسرى ، ولا يجوز أن تكون هذه الجزاءات علنية ، ولا يليق أن تصدر بقرارات وأن تنشر فى الصحف لأن مردودها على الميدان ، وعلى الأبناء بوجه خاص سيكون عكسياً ، وسيؤثر على العلاقة المقدسة بين المدرس وتلميذه ، يكون قد انطلق من وضع عام قائم يعطى شرعية لاستباحة المدرس ، وإن كانت الاستباحة تأخذ شكل القرارات الأدارية أو التنظيمية ، والتى غالباً ما تصاغ بلهجة آمره أو مهددة أو مؤنبة.
ضعف مستوى التحصيل الدراسى عند التلاميذ فى الإمارات
لا جدال فى أن مستوى التحصيل الدراسى عند تلاميذ المرحلة الإبتدائية فى الإمارات فى إنخفاض متواصل ، وسوف يزداد هذا الإنخفاض بعد تطبيق نظام مدرسى الفصل ، ليس لأن النظام نفسه غير عملى وإنما لأن معظم المدرسين والمدرسات المكلفين بتطبيقه ليسوا من ذوى الخبرة فى هذا النوع من التعليم ، وأخص بالذكر المدرسات الجدد اللواتى تخرجن فى الأعوام السابقة من معاهد التأهيل التربوى.
لكننا لا نريد أن نظلم المدرسين وحدهم وأن نحملهم تبعة تدنى مستوى التحصيل عند تلاميذهم ، لأن هذا التدنى فى التحصيل يكاد يكون مشكلة تربوية فى مدارس الوطن العربى وليس فى الإمارات وحدها وإن كانت هنا أوضح وأبين ، ولأننى عملت فى التعليم الإبتدائى والإعدادى والثانوى أربع عشر سنة متواصلة منها عشر سنوات فى مدارس الإمارات فإننى أستطيع أن أزعم أن لى رأياً مفصلاً من واقع خبرتى فى هذه المشكلة ، هو رأى ينطلق من أساس تربوى ونفسى وإجتماعى وبيئى وإدارى يحيط بالعملية التعليمية فى الإمارات على وجه التحديد.
الأسرة
ونبدأ بالبيئة الإجتماعية الخاصة المحيطة بالطفل ــ الأسرة ــ فنقول أنها تتحمل الجزء الأكبر من مسؤولية تدنى مستوى التحصيل عند الأطفال لأن الأسرة بحد ذاتها تعانى من مشكلة الأمية ومن ثم تأتى أهمية التعليم بالنسبة لأولياء الأمور فى المرتبة الثالثة أو الرابعة ولأن فاقد الشىء لا يعطيه فإننا لا نستطيع أن نعتمد على الأسرة كما يجب ، سواء فى حث الأولاد على الدراسة وأداء الواجبات المنزلية أو متابعة توجيهات المدرسة ، بما فى ذلك التوجيهات العلمية ونضيف إلى ذلك سيطرة العامل الأقتصادى على الكيان الأسرى ، ومن ثم إنشغال أولياء الأمور ــ بمن فيهم بعض المتعلمين ــ عن أولادهم بقضايا التجارة والسفر ، مما ينعكس سلباً على أهتمام أولادهم بالدراسة ومن ثم إهتمامهم بالتحصيل.
مجلس الأباء
ومع أن فى الإمارات تجارب رائدة على صعيد تكوين مجالس للآباء والمعلمين الا أن هذه المجالس ما زالت قاصرة عن أداء دورها التربوى ، واكثرها إنصرف عن شكليات لا تعود على الأبناء بمردود تربوى يذكر ، بل ومورست عضوية هذه المجالس كوجات ، ووظفت لتأمين عوائد مالية لتغطية نشاطات مظهرية تقوم بها المدارس ، وما زالت هذه المجالس عاجزة عن حل مشكلة التفكك الأسرى ، وأثر ذلك على الأبناء ، بل واستقطابهم للمجالس التى يفترض بها معاونة المدرسة فى عملها خارج نطاق الدوام الرسمى.
ونأتى إلى المدرس نفسه فنقول أنه يتحمل تبعة كبيرة هو الآخر ، بخاصة أولئك المدرسين الذين يعانون من ضعف فى مستوياتهم العلمية أو التربوية فضلاً عن ضعف خبراتهم فى التدريس أو التعامل مع الأطفال ، ونضيف إلى ذلك مشكلة " الحوامل " من المدرسات ، اللواتى ينقطعن بالعشرات عن تلميذاتهن خلال العام الدراسى ، وغنى عن الذكر أنه حتى لو نجحت الوزارة فى تأمين مدرسات بديلات ، فأن مردوداً عكسياً وسيئاً لا يمكن تلافيه سينشأ من تعدد الوجوه على الأطفال ، فى السنة الدراسية الواحدة ، ومن ثم سيؤثر هذا على تحصيلهم العلمى وتجاوبهم مع المدرسة ــ بسبب الحمل ــ يؤثر على التحصيل عند الطلبة فأن عدم وجود مدرسات أصلاً فى مدارس كثيرة ، أو نقصهن فى المناطق النائية البعيدة أو تأخرهن عن الألتحاق بأعمالهن ، يؤثر على الأطفال ومدى قابليتهم على التعليم وتجاوبهم معه.
المدرسون ومشاكلهم
ويمكن أن نضيف إلى ما سبق عدة أسباب أخرى تتمحور كلها حول المدرس وتنحصر فىكثير من جوانبها بالمدرسين فى الإمارات فقط ، من ذلك مثلاً عدم تفرغ المدرس لمهنته ومن ثم التجويد فيها ، حيث نرى عدداً منهم فى وظائف ومهن أخرى فى المساء وأكثرها بعيد عن عملية التعليم مثل " التجارة وقيادة سيارات الأجرة والعمل المكتبى أو أعمال السكرتارية فى بعض المؤسسات الخ "
كما نجد أن عدداً كبيراً من مدرسى المرحلة الإبتدائية الدنيا على وجه التحديد يجهلون طرق التدريس المناسبة لأعمار تلاميذهم ومراحل نموهم ، كما أنهم يجهلون طرق التقويم التى تكشف عن تحصيل التلاميذ واستيعابهم للمادة ومن ثم يؤثر ذلك على مستوياتهم فى التحصيل لغياب الخطة عن المدرس ، ولغياب المعايير أيضاً فى رصد نمو التلاميذ العلمى ، يمكن أن نضيف إلى ذلك القسوة البالغة عند بعض المدرسين فى تعاملهم مع الصغار وأثار ذلك على نفسياتهم ، وقد شهد الميدان التربوى فى العام الدراسى الماضى الكثير من قصص الضرب التى لا تتسق مع طبيعة المهنة وآدابها فضلاً عن أهداف التعليم فى هذه المرحلة ، والضرب أو القسوة لا تساعد فى زيادة التحصيل عند الطلبة ــ كما يتوهم البعض ــ وإنما تنفر الصغار من المدرسة وتجعل اليوم الدراسى رخلة عذاب لا تطاق.
ويمكن أن نضيف إلى ما سبق القرارات الأدارية المتعددة خلال العام الدراسى بخاصة تلك التى تتعلق بنقل المدرسين من مدرسة إلى أخرى أو مرحلة إلى مرحلة وما نتركه من آثار سلبية على الدارسين ، فضلاً عن أحساس المدرس بالظلم والأرهاق من كثرة الواجبات المفروضة عليه وازدحام جدوله بما يزيد أحياناً عن أربع وعشرين حصة فى الأسبوع ، وأثر ذلك على عطائه واجتهاده ومتابعته لمستويات التحصيل عند كل طالب على حدة.
التلاميذ ومشاكلهم
وهناك سبب ثالث لضعف التحصيل الدراسى عند التلاميذ فى المرحلة الإبتدائية هو التلميذ نفسه ، لأن تعاون ولى الأمر مع المدرس لا يكفى لزيادة التحصيل أن لم يكن التلميذ فى حالة نفسية وإجتماعية وإقتصادية تسمح باستيعاب الدروس ، وتلاميذنا فى الإمارات يعانون من مشاكل متعددة سواء أبناء الوافدين أو المواطنيين ، ما مثل تعرضهم لخبرات ونظريات وممارسات تربوية متعددة ومتعارضة بتعدد جنسيات المدرسين أنفسهم ما لا يسمح على المدى البعيد بمراعاة الفروق الفردية بينهم مع ما يسببه ذاك من إزعاج وإحراج وتثبيط يؤثر على مستوى التحصيل عندهم ، ثم نجد نسبة التسرب بينهم مرتفعة إلى درجة خطيرة ، وحتى اولئك التلاميذ الذين يلتزمون بالدوام المدرسى فى الصباح يعانون ــ فى المساء ــ من مشكلة الفردية أو تنظيم أوقات الدراسة واللعب لعدم توفر العناية والرعاية الأسرية والمدرسية ، وهناك عامل آخر يكاد يكون أخطر ما ذكرت بالنسبة للتلاميذ ، وهو يظهر فى الإمارات بشكل لافت للنظر ، الا وهو إنشغال التلاميذ خارج الدوام الدراسى بأعمال تجارية مكتبية أو خدمية تابعة لأولياء أمورهم ، رغم صغر أعمارهم ، وهذا كاد يكون على حساب تحصيلهم العلمى ويمكن أن نضيف إلى ما ذكر أن بعض معاناة التلاميذ فى المدارس النائية ، من سوء الرعاية الصحية وسوء التغذية وإنعدام وسائل اللهو والترفيه والإنقطاع عن العالم لعدم توفر الكثير من اللوازم والأحتياجات والمستلزمات العصرية المشجعة على التعلم والسعى نحو المعرفة.
هذه الأسباب الثلاثة الأولى " ولى الأمر ، المدرس ، التلميذ هى أقانيم مشكلة ضعف التحصيل الدراسى عند التلاميذ فى جميع المراحل الدراسية ــ بوجه عام ــ وفى المرحلة الإبتدائية الدنيا على وجه التحديد ، لكنها ليست هى الأسباب الوحيدة ، فهناك مشاكل المدرسة نفسها ، ومشاكل أنظمة التعليم ومشاكل البيئة الأجتماعية المحيطة بها والبيئة الطبيعية ولأهمية هذه الأسباب الأضافية سنخصص لها حلقة قادمة أن شاء الله.
ضعف مستوى التحصيل الدراسى عند التلاميذ فى الإمارات
مقترحات وتوصيات تجعل مجالس المعلمين محوراً لحل المشكلة
* النهوض بمستوى المدرس يعنى النهوض بمستوى التحصيل عند التلاميذ
لكل مشكلة حل وفى الميدان التربوى يمكن لأجهزة الرصد والأحصاء والبحث فى وزارات التعليم أن ترصد المشاكل أولاً بأول وأن تخضعها للبحث والأستقصاء والأستطلاع تمهيداً لوضع توصيات تساعد المسؤولين فى حل هذه المشكلات وفق أسس علمية.
الحل يبدأ من هنا
ونبدأ فى حل مشكلة ضعف التحصيل عند الأبناء بالأسرة ، لأن العبء الأكبر فى ظل مجتمع الأسرة الممتدة مثل أسرنا يقع ــ فىعملية التعليم خارج نطاق المدرسة ــ على الأب والأم والأخوة وهذا يستدعى تعزيز وتكريس مفهوم مجالس الآباء وفق أسس تربوية مرسومة ومجدولة ليس بينها النشاط المظهرى أو الوجاهى ويجب الحرص على أبعاد الأبناء ، خلال توجيههم إلى المدارس وأثناء دراستهم فيها ثم بعد عودتهم منها وذلك بالتنسيق مع أدارات المدارس والمدرسين والمشرفين الأداريين بخاصة فى مجال محاربة التسرب والإهمال فى أداء الواجبات اليومية والمدرسية ، وهذا يتطلب ــ طبعاً ــ أسرة واعية بدورها حريصة على أبنائها مدركة أهمية متابعة الأطفال فى هذه السن ، ونظن ــ بدورنا ــ أن مدارس الإمارات يمكنها إستغلال وظائف الإشراف التربوى والإجتماعى فيها للتنسيق بين المدرسة والبيت بشكل فعال وعلمى ومبرمج ، وهذا يستدعى ــ بطبيعة الحال ــ إعفاء المشرفين الإجتماعيين من مهامهم الحالية التى يؤدونها فى المدارس من إشراف على الوجبات الغذائية وتنظيم للرحلات والعمل ــ فى أحسن الأحوال ــ بوظائف السكرتارية للنظار!!
المدرسون ومشاكلهم الإنسانية
أما على صعيد المدرسين ، فحل مشكلة ضعفهم أو قلة خبراتهم تتطلب تدقيقاً أكبر فى توظيفهم وإختيارهم لهذه المهنة ، وتدريب غير المؤهلين على طرق التدريس المناسبة فضلاً عن الكتب المدرسية والمناهج الجديدة قبل طرحها فى الميدان ، كما أنه يجب العمل بنظام التدريب خلال الخدمة وذلك بعقد دورات تدريبية فى طرق التعليم والتقييم وإعداد الوسائل التعليمية وحل المشكلات التربوية الطارئة للمدرسين ، ونظن أن معاهد التأهيل التربوى أثبتت أنها غير كافية ــ على الصعيد العملى ــ للقيام بهذه المهمة وأن كانت على الصعيد النظرى قد قدمت الكثير.
ولعلنا ننوه بالإتجاه الذى تبنته بعض المناطق التعليمية فى الدولة ــ منطقة العين مثلاً ــ والخاص بعقد لقاءات شبه دورية للمعلمين فى المرحلة لتبادل الخبرات وحل المشكلات بشكل جماعى ، والخروج بتوصيات محددة حول المشاكل الخاصة بضعف التحصيل الدراسى ونشرها فى الدوريات والمجلات المدرسية أو التربوية المتخصصة لتعميم الفائدة أو تبادلها مع تجارب المناطق التعليمية الزميلة.
وغنى عن الذكر أن حل المشكلات الأساسية التى يعانى منها المدرسون تأتى فى المرتبة الأولى ، اذ لا يمكن أن تطلب الكثير من مدرس يزدحم جدوله بالحصص وتزدحم فصوله بالتلاميذ ويزدحم يومه المدرسى بكراسات التحضير والتصحيح والأعمال المدرسية المصاحبة من مناوبة وإشراف وريادة مع ضرورة الحرص على حل مشكلات المدرسين الإنسانية مثل تأخر الرواتب والمعاناة من السكن والمشالكل الصحية ولا بأس من إيجاد أنظمة مالية لتعزيز جهد المدرس الكفؤ بشىء من البديل المادى بخاصة وأن العلاوات التشجيعية وحدها لا تكفى ، وأكثرها يوزع على أسس غير عادلة وترتبط فى أغلبها بالعمل التربوى المظهرى الذى يرضى الناظر والموجه ولا يخدم العمل فى الميدان خدمة فعلية.
وللكتب المدرسية نصيب
وتتحمل الكتب والمناهج المدرسية الجزء الأكبر من مشكلة ضعف التحصيل الدراسى عند التلاميذ ، وعليه يجب مراعاة هذا الجانب من نواحيه المختلفة ، كأن يشرك المدرسون فعلياً فى وضع الكتب المدرسية وإقتراح موضوعاتها وأصحابها بما يتناسب مع الأهداف العامة والخاصة لكل مرحلة على حدة ، والحيلولة دون التطويل والحشو الممل والتضخيم فى الكتب ــ على النحو الذى نراه الآن ــ ثم اللجوء إلى الخبراء لتقييم المنهج الدراسى قبل إقراره وتطبيقه مع ضرورة إعتماد مراكز التجريب أو المدارس النموذجية كمرحلة أولى ينفذ من خلالها المنهج إلى الميدان.
ومن المعروف أن مستوى التحصيل الدراسى يرتبط أساساً بمدى إقبال التلاميذ على المدرسة ومن ثم على الكتب المدرسية ، وهذا الإقبال يحتاج إلى عوامل جذب وتشويق ، ليس فى موضوعات الكتاب فحسب وإنما فى حجمه وشكله وصوره أيضاً ، فضلاً عن طرائقه فى السرد أو فى الفصول التى تقوم على الحكاية والقصة.
توظيف النشاطات اللاصفية
وتستطيع الإدارة المدرسية الواعية أن تسهم فى حل المشكلة التحصيل الدراسى من خلال توظيف النشاطات اللاصفية فى خدمة المنهج والخروج بها من إطار المظهرية غير النافعة ، كأن توضع برامج الإذاعة المدرسية وفق جدول مدروس يراعى حث التلاميذ على الدراسة ، بإدخال فقرات مشوقة تنافسية تكون مرهونة بجوائزتشجيعية للمتفوقين ، والأمر نفسه ينسحب على النشاط الصحافى ، كأن تعقد مسابقات فى إنجاز صحف الحائط بين الفصول على صعيد المدرسة كلها أو بين التلاميذ على صعيد الفصل المدرسى الواحدالموانىء ، المطارات الخ ) ، ويمكن أيضاً إنشاء أو تأسيس جماعات للسينما تكون مهمتها إختيار وعرض الأفلام العلمية أو الأفلام الروائية التاريخية التى يتم إختيارها بإشراف الإدارة نفسها ، ثم يمكن لجماعة المكتبة أن تنشط ليس فقط فى أغناء المكتبة المدرسية وإنما ــ أيضاً ــ فى تشويق وحث التلاميذ على القراءة والتردد على المكتبة وذلك من خلال مسابقات فى القراءة والتلخيص يمكن تنظيمها بإشراف الإدارة أيضاً.
طرق التدريس
وكما ذكرنا فإن طرق التدريس قد تكون مسؤولة عن تدنى مستوى التحصيل عند التلاميذ وهذا يستدعى بالضرورة الإتفاق بين مدرسى المرحلة على إختيار الطرق المناسبة لمستوى التلاميذ وإستعداداتهم وإحتياجاتهم ، بخاصة فى المرحلة الإبتدائية الدنيا التى نبدأ فيها بتعليم القراءة والكتابة وهذا يرتبط بدوره بتطوير وسائل التقويم والقياس من إختيارات شفوية أو تحريرية ومع أن نظام الترفيع التلقائى يفقد وسائل التقويم هذه فاعليتها الا أن التقويم يظل مهما فى عملية رصد مستوى التحصيل وتذبذبه عند هذا التلميذ أو ذاك .
فإذا أضفنا إلى ذلك ضرورة العناية بالأبنية المدرسية وتصميماتها وتجهيزاتها إستطعنا القول أننا أحطنا بالخطوط العريضة لحل مشكلة تدنى مستوى التحصيل وتظل الحاجة قائمة إلى حلول إجرائية تفصيلية مقرونة يتقديرات وميزانيات معتمدة وهذه هى الخطوة التالية التى يجب أن يتخذها صانعوالقرار التربوى.