دراسات تربوية
سايكولوجية الطفل فى مرحلة الروضة
عرض: أسامة فوزى
نشر هذا المقال في جريدة البيان - دبي عام 1984
يعتبر " اللعب " محور العملية التربوية والتعليمية فى رياض الأطفال ، وتهتم المؤسسات التربوية فى العالم بتوفير أكبر قدر ممكن من الألعاب والتجهيزات الخاصة بها وتشترط على الرياض مواصفات معينة تتعلق بساحات اللعب وأماكنه وتجهيزاته ، وقد أتفق علماء التربية والنفس البشرية على مجمل الأهداف المتوخاة من تنظيم عملة اللعب فى الرياض.
اللعب لماذا
• فاللعب يقود الطفل إلى الإكتشاف والإستنتاج وإلى تعرف الكثير من قوانين الحياة والطبيعة من حوله ولو فى صورة بدائية ، فسقوط الجسم من أعلى إلى أسفل ــ على سبيل المثال ــ حدث يمكن أن يكتشفه الطفل بنفسه ويمكن بالتالى أن يسأل عنه ، وتلك بالتأكيد الخطوة الأولى لنمو تفكيره ولوصوله بعد ذلك إلى فهم نظرية الجاذبية .
• واللعب يوفر للطفل فرصة تنمية المهارات الحركية والجسمية ، من خلال التدرب التلقائى على مسك الأشياء أو ألتقاطها بطريقة معينة أو الركض المتتابع ثم القفز وفق معايير يتدرب غريزياً على قياس إبعاده ومسافاته ، فضلاً عما يحس به الطفل بعد اللعب الحركى من تعب لذيذ ، وعطش ، وإفراز للعرق00 الخ
• واللعب ميدان واسع لتنمية الخيال عند الطفل ، مما يساعده على الإبتكار ، بخاصة عندما تتوفر بعض التجهيزات والوسائل البدائية التى يمكن للطفل أن يقوم بتشكيلها ــ مثل المعجون ــ وغالباً ما يشعر الطفل بسعادة بالغة كما توصل إلى إبتكار أو اكتشاف جديد.
• واللعب يمنح الطفل فرصة التعرف على مقدرته الخاصة فى التمييز بين الأشياء ، بخاصة المفيدة أو المؤدبة مما يساعده مستقبلاً على تنظيم حياته تبعاً لذلك حتى لو لم يتلق تعليماً نظرياً فى المدرسة . أن إكتشاف الطفل لخطر الكهرباء أو الحريق يمكن أن يبدأ مع سنيه الأولى فى الروضة.
• واللعب ــ بعد هذا ــ يمكن الطفل من تحسس مجتمعه ، وتقدير الآخرين ومن ثم إمتلاك مهارة التعامل معهم ، بالآخذ أو العطاء ، وتحمل المسؤولية فى ظل الجماعة وإكتشاف القيم والنواميس التى تحكم العلاقات بين أفراد المجتمع ، ولو بصورتها المبسطة.
من أجل هذه الأهداف مجتمعة ، أهتم علماء التربية بتحديد ميادين اللعب ــ فى الرياض ــ ومواصفاتها فى محاولة لمنهجة هذا النشاط وتوظيفه وفق أسس علمية وتربوية سليمة ، ومن ثم تدريب العاملين فى الرياض على أنجح السبل للوصول إلى الذروة فى تحقيق المتعة والفائدة للطفل.
سايكولوجية الطفل
لقد لخص مدحت عبد الرازق فى كتابه عن سايكولوجية الطفل فى مرحلة الروضة نظريات اللعب المشهورة ، وأولها النظرية التلخيصية لصاحبها ستانلى هول ، ومفاده أن اللعب ما هو الا تلخيص للماضى وأن الأنسان من ميلاده وحتى أكتمال نضجه يميل إلى المرور بالأدوار التى مر بها تطور الحضارة البشرية منذ ظهور الإنسان حتى الآن مروراً تلخيصياً عاماً . وقد ذكر مدحت عبد الرازق أن علماء التربية وجهوا عدة إنتقادات لهذه النظرية ، منها أن أهمية اللعب أهمية أعدادية أكثر منها تلخيصية وأن نوع اللعب الذى ينتمى إلى مرحلة ما قد نلاحظه بهيئة أخرى فى مرحلة متأخرة ومنها أيضاً أن اللعب بالمواد المرنة كالطين والعجين وتشكيلها يستمر فى كثير من الأحيان على شكل هواية أو فن جميل فى المراحل المتأخرة.
النظرية الاعدادية
اما كارل جروس ــ يقول مدحت عبد الرازق ــ فقد وضع ما يعرف بالنظرية الإعدادية وملخصها أن للعب وظيفة بيولوجية هامة للكائن الحى ، فهو ــ أى اللعب ــ إعداد وتمرين للعمل الجدى الذى يقوم به الكائن الحى فى المستقبل ويسجل المؤلف بعض الإنتقادات على هامش هذه النظرية منها أن لعب الطفل متنوع لدرجة كبيرة فالطفل يجرى ويتسلق ويتزحلق ويتناول الأشياء ويقذفها ويلعب ألعاباً فردياً وجمعية مختلفة الأنواع ومع ذلك نجد تشابهاً بين ألعاب الأطفال إلى حد بعيد فى مختلف الأزمنة وفى مختلف الأمكنة 00 كما أننا نجد اللعب بالماء والرمل والطين يمكن الطفل من أكتساب معرفة دقيقة بخصائص الأشياء التى تحيط به وأثناء اللعب الجمعى يكتسب الطفل القدرة على التعامل مع زملائه.
ماذا يقول فرويد
وهناك نظرية فرويد التى ترى أن اللعب يقوم بوظيفة مهمة فى الحياة النفسية للطفل وهى معونته على التخفيف من القلق والتوتر الذى يعانى منه واللعب لديه ما هو الا تعبير رمزى عن رغبات محبطة أو مخاوف ملازمة أو متاعب لا شعورية اذ يحاول الطفل أن يصيب العابه بأضرار نتيجة لما يعانيه من سوء معاملة وقسوة من والديه أو أخوته.
وللعالم السويسرى جان بياجيه نظرية أيضاً ، تحاول أن تفسر اللعب وهى تقوم على ثلاثة افتراضات هى :
اولاً : أن النمو العقلى يسير فى تسلسل معين يمكن الإسراع به أو تأخيره ولكنه هو نفسه لا يمكن أن تغيره التجربة.
ثانياً : أن التسلسل ليس مستمراً بل يتكون من مراحل يجب أن يتم كل منها قبل أن تبدأ المرحلة المعرفية أو العقلية التالية.
ثالثاً : أن التسلسل يمكن أن يفسر على أساس نوع العمليات المنطقية التى يتضمنها.
ويفرق بياجيه بين اللعب كتكرار لعمل ثم إتقانه وبين تكرار نشاط يهدف إلى فهم هذا العمل.
لقد التفت خبراء التربية فى العالم العربى مؤخراً إلى أهمية اللعب فى مرحلة الرياض ، فقد أشار المنهج الذى أعدته لجنة شؤون التعليم فى القطر العراقى ــ على سبيل المثال ــ إلى ضرورة تنمية المهارات العملية لدى الأطفال وتكوين الإتجاهات السليمة نحو العمل والإنتاج وتحبيبها إلى نفوسهم وتنشئتهم على حسن الأقبال عليه والإنتظام فى مواعيده والكفاءة فى أدائه وتنفيذاً لذلك وفرت وزارة التربية للرياض الكثير من الألعاب ذات المضامين الموجهة والتى تساعد الطفل على إستخدام يديه فى صنع أو تنظيم أو تركيب بعض الأدوات والأجهزة التى تساعد الطفل على تكوين بعض الأفكار الأولية عن العمل عن طريق ممارسة أنواع من اللعب الموجه مما يغرس فى نفسه حب العمل وإحترامه والتلذذ به والإبتهاج بإنجازه.
لقد سعدت كثيراً بكتاب مدحت عبد الرازق عن سايكولوجية الطفل فى مرحلة الروضة وأرى ضرورة تعميم الكتاب على الرياض فى دولة الإمارات ، بخاصة بعد إزدياد الرياض الخاصة التى لا تتوفر لأطقمها الخبرة الكافية.